ولتأخذوا عني أيها القراء الكرام هذه الكلمات القليلة : إنَّ كلَّ شيٍء وقع أراده الله وإن كل شيءٍ أراده الله وقع ، وإن أفعاله تتعلق بالحِكمة المُطلقة ، وإن حِكمتَهُ المطلقة تتعلق بالخي
ر المطلق ، واللهِ لو أنّا فهمنا هذه الكلمات واستوعبناها وعقَلناها وعشنا معانيها لتلاشت كل الأحزان في حياتنا .
لكل شيء حقيقية ، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، فالغلط مجاله بين البشر ، أما في حق خالق البشر فهو يستحيل . والذي يبدو لك غلطاً وخطأً وظُلماً هو عند الله حِكمة بالغة ، وإنني أضرب مثلاً :
-فتاة نالت شهادة ثانوية وهي تبحث عن وظيفة ، هناك مسابقة لوظيفة معلمة فتقدمت إليها ، فطولبت بشهادة صحية فتوجهت إلى مستشفى حكومي لتفحص صدرها ، فجاءت النتيجة أنها مصابة بمرض السل ! بكت وبكت وبكى من حولها ، ومن حولها خافوا من العدوى فابتعدوا عنها وتركوها تأكل وحدها ، وأعطوها أدوات خاصة بها ، وتوجّسوا منها خيفة وازدادت بهذه العزلة ألماً إلى أن قررت أن تتوب إلى الله ، وأن تصلي وأن تتحجب ، ثم راجع أخوها المستشفى بعد حين، فإذا هم يعتذرون إذ هذه النتيجة ليست لها بل لغيرها ، فهي سليمة! خطأ الموظف إذاً وظفه الله عز وجل كي تتوب هذه الفتاة .
2-وهناك أخت كريمة تحضر معنا الدروس في جامع النابلسي ، هكذا سمعت وعلمت أنها كانت معارةً إلى بلد نفطي للتدريس ، واختصاصها رياضيات ، عُيّنت في مدرسة في أطراف المملكة ، والمديرة أمرتها أن تُدرّس تفسيراً وفقهاً ، فقالت لها معتذرةً : اختصاصي رياضيات ، فكيف تريدينني أن أدخل إلى صف ثالث ثانوي وأدرسهنَّ تفسيراً وفقهاً ؟ وأنا لا أفقه شيئاً من هذه الموضوعات ، قالت لها : إما أن تدخلي وتدرسي هذه المواد أو نلغي عقدك ، فدخلت هذه المدرسة ، وفتحت كتاب التفسير ، وأول آيات التفسير آيات الحجاب ، ولم تكن الفتاة تؤمن بالحجاب
ف
قرأت الآيات و قرأت التفاسير ، فانهمرت عيناها بالدموع : اعتذرت من الطالبات ، وقالت لهن دعنني هذه الساعة مع نفسي واقرأن ما بدا لكن ، وكانت توبتها حينما أُجبرت أن تقرأ هذه الآيات وأن تُفسِّرها للطالبات ، إذاً حُمقُ هذه المديرة وظفه الله عز وجل لصالح هذه المُدرِّسة.
يعني كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادته متعلّقة بالحِكمة المطلقة ، وحِكمته متعلّقة بالخير المُطلق ، وهذه حادثةَ من حوادث ، ولتعلم من قبل ومن بعد لو أن ورقة سقطت من شجرة فذلك لحِكمة بالغة .. فما قولنا فيما فوق هذه الحادثة ، الظلم في النفوس فقط ، والظالم سوط الله ينتقم به ثم ينتقم منه ، ولذلك فكل قصة فيها عشرة فصول مثلاً ، فقد نعرف فصلاً واحداً فلا يكفي ، وقد نعرف فصلين أو ثلاثة أو أربعة وهذا لا يكفي ، فلسنا مؤهلين أن نحكُم على هذه القصة إلا إذا عرفنا كل الفصول .